المحاضرة الثانية
: لمحة عن الأوضاع العامة للجزائر قبل الاحتلال الفرنسي
خطة الدرس :
أ- الأوضاع السياسية داخل و خارج الجزائر ( خاصة فيما يتعلق
بالعلاقات الدبلوماسية الجزائرية و الدول الأوروبية : فرنسا ، بريطانيا ، الولايات
المتحدة الأمريكية ...)
ب- الأوضاع العسكرية
ت- الأوضاع الاقتصادية
ث- الأوضاع الاجتماعية
إن الأوضاع
العامة للجزائر سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية تأثرت بشكل كبير بطبيعة
و خصائص الحكم العثماني بها الذي استمر ما يزيد عن ثلاثة قرون من جهة ، و بشخصيات
الحكام الأتراك من جهة أخرى ، حيث تميزت هذه الأوضاع بالاستقرار و الازدهار في بعض
الأحيان و الاضطرابات و الانحطاط أحيانا أخرى .
و في هذه
المحاضرة عن الأوضاع العامة للجزائر قبل الاحتلال الفرنسي سنتناول الفترة التي
بدأت فيها الجزائر تأخذ منعرجا خطيرا بنهاية القرن 16 ، بعد أن كانت تتمتع بمكانة
مرموقة و هيبة دولية ، مركزين على الفترة الأخيرة من حكم الدايات ( 1800-1830 ) ،
و التي عرفت فيها الجزائر تدهورا عاما طرأ على مجالات الحياة السياسية والعسكرية و الاقتصادية و
الاجتماعية .
أ-
الأوضاع السياسية :
1-
الأوضاع السياسية الداخلية : رغم أن عهد الدايات كان مليئا بالثورات و المؤامرات و لم تكن مدة حكمهم
تستمر طويلا ، إلا أنه يمكن أن نستثني من ذلك الفترة التي حكم فيها الداي محمد بن
عثمان باشا في النصف الثاني من القرن 18 أي من سنة( 1766 – 1791 ) ، حيث عرفت
الجزائر في ظل حكمه استقرارا نسبيا و ذلك بالتعاون مع كل من الباي محمد الكبير و
صالح باي قسنطينة في ادارة شؤون البلاد داخليا و خارجيا ، كما استطاع الداي محمد
بن عثمان باشا أن يتغلب على العجز الذي كانت تعاني منه الميزانية العامة
للجزائر .
و في مجمل الحديث عن الأوضاع السياسية الداخلية للجزائر قبل الاحتلال الفرنسي
يمكن القول أنها تميزت بعدم الاستقرار السياسي و الأمن ، حيث تواصلت الاضطرابات ،
و التناحر على الحكم و الاستبداد ، و الاغتيالات و نشوب الفتن الأهلية و التمرد و العصيان
من طرف الأهالي بسبب السياسة التي انتهجها الدايات بإرهاق الأهالي بالضرائب و الإتاوات
، علما أن التمرد و العصيان كان يواجهه الدايات بالقوة و سفك الدماء . يذكر أن
السياسة الجبائية التركية المرتفعة طبقت عندما نقصت المغانم البحرية في السنوات
الأخيرة من العهد التركي بالجزائر بسبب فقدانها السيطرة على البحر المتوسط .
و
من بين التمرادات و الثورات على الحكم التركي تلك التي قام بها سكان العاصمة و
القبائل المجاورة عام 1692 بعد اقدامهم على اشعال النيران في مرافق الميناء و بعض
السفن الراسية به ، و حركة التمرد الواسعة التي قام بها كراغلة تلمسان في عهد
الداي ابراهيم باشا كوجوك ، حيث سيطروا
على المدينة و طردوا منها الحامية التركية ، كما حاولوا الاتصال بكراغلة عاصمة
الجزائر للانضمام الى حركتهم ، لكن الداي تفطن للأمر و قضى على تمردهم بالقوة ، بالإضافة إلى تمردات أخرى عرفتها مختلف مناطق
الجزائر مثل ( القبائل الكبرى عام 1767، سكان البليدة- الحضنة- واحات الجنوب-
الاوراس ).
كما
نذكر في هذا الصدد ثورة ابن الاحرش التي
ظهرت ما بين 10 جوان إلى 10 جويلية 1804 ، حيث أعلن ابن الأحرش الجهاد للقضاء على
سلطة بايلك الشرق ، و بعد سلسلة من الملاحقات تمكن الباي من وضع حد نهائي لثورته .
يذكر بعض المؤرخين أن الثورة العارمة لابن الأحرش بالشرق الجزائري جاءت بتحريض من
انجلترا ضد الحكم التركي ، و ذلك بعد الامتيازات الكبيرة التي قدمها الداي لفرنسا
في الجزائر خاصة في ميدان استغلال المرجان بالقالة .
كما ظهرت حركات تمرد أخرى انتشرت في عدة مناطق
من الجزائر لتشمل أوساط القبائل الجبلية والجهات الشرقية و الوسطى من البلاد.
2-
الأوضاع السياسية الخارجية :
·
على المستوى المغاربي : كانت السياسة المغاربية متوترة في أكثر فترات تاريخ بلاد
المغرب ، فقلما ما كانت العلاقات ودية أو حسنة أو على الأقل إدراك خطورة التحديات
الغربية ، فمثلا مع تونس كانت الجزائر تعتبرها إقليما تابعا لها و تونس ترفض ذلك ، كما كانت
لتونس أطماع في قسنطينة . و من جهته كان للمغرب
أطماع قديمة في تلمسان ، كما كان ينظر للجزائر كخطر يهدده و يجب تفاديه حتى و ان
اقتضى الأمر التحالف مع الغرب ، و قد ظهرت مؤامرات كثيرة بين البلدان
المغاربية من أبرزها زحف تونس و المغرب و الأقصى و طرابلس متحالفين من تونس إلى
قسنطينة عام 1702 ، و زحف المغرب على تلمسان ، و هكذا ظلت الحوادث مستمرة إلى أن
بدأت التحالفات الأوروبية تتهيأ لاقتسام ممتلكات ما يسمى بالرجل المريض.
·
على المستوى الأوروبي : أقامت الجزائر علاقات سياسية و تجارية مع عدة
دول أوروبية ، حيث كان دافع الجزائر الحيلولة دون قيام أي تحالف أوروبي
ضدها ، أما الدول الأوروبية فقد أجبرت على التقرب من الجزائر و تبادل التمثيل
الدبلوماسي معها ، لحفظ مصالحها التجارية من القرصنة بتقديم الترضيات المالية لها،
علما أن هذه العلاقات لم تخل من نزاعات و حروب بحرية بسبب الخلاف حول السيادة على
البحر الأبيض المتوسط ، و فيما يلي نفصل في علاقة الجزائر مع دول أوروبا و
الولايات المتحدة الأمريكية :
-
علاقتها مع بريطانيا : كان للجزائر علاقات ودية في غالب
الأحيان مع بريطانيا ، فاستفادت الجزائر من التنافس الحاد بين بريطانيا و فرنسا ، تخللت
تلك العلاقات معاهدات سلام بين الدولتين ، نصت على تنشيط التجارة بين البلدين .
كما أن بريطانيا كانت تبذل كل ما في وسعها
لتتوتر العلاقات بين الجزائر و فرنسا ، حيث طلبت من داي الجزائر بعدما أرسلت له
باخرتين محملتين بالهدايا أن يجعلها محل فرنسا ، خاصة فيما يتعلق باستثمار
المؤسسات الفرنسية ، و قد استجابت لها الجزائر في سنة 1806 ، حيث سحبت الامتيازات
من فرنسا و منحتها إياها إلى غاية 1816 ، التاريخ الذي شنت فيه بريطانيا حملتها
على الجزائر .
لكن هذا لم يمنع بريطانيا من شن حملات عسكرية على الجزائر لإضعافها و
إجبارها على التخلي عن سيادتها البحرية ، و من بين هذه الحملات نذكر : حملتها على
مدينة الجزائر عامي 1660 ، و 1670 ، و حملة اكس ماوث 1816.
-
علاقتها مع اسبانيا : تميزت بالتوتر في معظم فتراتها بسبب احتلال اسبانيا للمرسى
الكبير و وهران ، و الحملات المتكررة على المدن و الموانئ الجزائرية .
-
مع الولايات المتحدة الأمريكية : كانت الجزائر كعادتها السباقة في الاعتراف
بأمريكا كدولة مستقلة عن بريطانيا عام 1776 ، كما منحتها مساعدات كثيرة ، لكن
الاعتراف و المساعدات لم يمنع الجزائر من أن تفرض على أمريكا الايتاوات التي كانت
تفرض على كل الدول الأخرى المارة على البحر المتوسط ، و يبدو أن الكنغرس الأمريكي
الذي اعتبر أن الجزائر بعيدة و أن علاقته بالبحر المتوسط قليلة ، فقرر أن لا يقدم
الإتاوة ، و عليه أعلنت الجزائر على أمريكا حربا و أرسلت أسطولها إلى المحيط
الأطلسي فأسر مجموعة من البواخر الأمريكية و قادها إلى السواحل الجزائرية ، مما
جعل الكنغرس الأمريكي يرسل وفدا يفاوض و
يلتمس المساعدة لدفع الإتاوة ، و تم التوقيع على معاهدة سلام بين الدولتين عام
1796 ، و بمقتضاها تدفع أمريكا 721 ألف دولار اسباني ( المعترف به في التعامل
آنذاك ) ، هذا مقابل اطلاق سراح البواخر المحتجزة ، و كذلك تعترف أمريكا بدفع مبلغ
22 ألف دولار اسباني سنويا للجزائر .
·
علاقتها مع فرنسا : عرفت العلاقات بين الجزائر و فرنسا تطورات متباينة ، من
المودة و التعاون إلى التوتر و الحروب .
بدأت العلاقات الأولى و الجيدة بين البلدين في
عهد خير الدين و فرانسوا الأول بعد التوقيع على المعاهدة الثلاثية ( le Traité tripartite
) بين مبعوث خير الدين الذي حل بفرنسا
بدعوة من ملكها و مبعوث السلطان العثماني و فرنسوا الأول عام 1535 ، حيث كانت
فرنسا حريصة على اكتساب ود الجزائر و ذلك ابتداء من 1534 . و على اثر هذه المعاهدة
توجه السفير الفرنسي الأول إلى الجزائر ( Jean de Laforet ) ، ثم عين
قنصل فرنسي آخر سنة 1538 و كان أول قنصل أوروبي ، و قد تتابع المبعوثون
الفرنسيون إلى الجزائر كقناصل أو كسفراء .
و بالتوازي مع بدء
العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر و فرنسا ببادرة من هذه الأخيرة ، أخذت التجارة
الفرنسية مع الجزائر طابعا قارا ، و ذلك بإنشاء فرنسا للمركز التجاري في مدينة
القالة – كما أشرنا سابقا –
ثم
توترت العلاقة بين البلدين إثر الحملة الفرنسية على مدينتي الجزائر و شرشال عامي
1682 -1683 ، لتعود من جديد إلى طبيعتها في عهد الداي محمد بن عثمان و حكومة
الثورة الفرنسية 1789 التي بادرت الجزائر بالاعتراف بها ، كما قدمت لها مساعدات
غذائية تمثلت في الدقيق ، القمح ، الشعير ، الحمص ، الفول ، و هذا بطلب صريح من
حكومة فرنسا. في الوقت الذي كانت فيه الأنظمة
الملكية الأوروبية تحاصر فرنسا سياسيا و اقتصاديا قصد القضاء على النظام الجمهوري
الجديد.
و
في عام 1793 قرر داي الجزائر " حسن باشا " أن يعطي فرنسا قرضا خاصا
لشراء المواد الغذائية من الجزائر قدره مليون فرنك ذهبي ، و أتبع في العام التالي
( 1794) قرضا آخر قدره مليونين فرنك ذهبي . و تجاوزت مساعدات الجزائر الغذائية
لفرنسا إلى مساعدات عسكرية تمكنها من الوقوف في وجه أعدائها .
لكن
في عهد الداي مصطفى باشا توقفت المساعدات
الجزائرية لفرنسا و ذلك بعد أن رفض هذا الداي تقديم المعونة و الدعم اللذين طلبهما
نابليون بونبارت ، بسبب الحملة التي شنها
ضد مصر سنة 1798 ، و أكثر من ذلك وجه انذارا لفرنسا أن تسدد الديون التي عليها
لجزائر بما أنها أصبحت قادرة على شن الحروب وحدها ، و إلا أعلن الحرب عليها ، و قد
علل مصطفى باشا موقفه هذا بقوله " إن الدول المسيحية في أوروبا تدين بالولاء
المعنوي للكنيسة و هي كذلك تهرع لمساعدتها كلما دعتها لذلك ، و بالمقابل فإن الدول
الاسلامية حيثما وجدت يجب أن تكون هي أيضا مدينة بالولاء لخلافة الاسلامية ، و لأن
مصر دولة إسلامية معتدى عليها من طرف دولة مسيحية فإن الواجب يفرض على حاكم دولة
اسلامية أن يقف إلى جانبها و أن لا يبقي وسائله و امكانياته في حوزة المعتدي
."
و بعد انسحاب نابليون
من مصر بعث برسالة إلى داي الجزائر مع أخيه " جيروم " يلتمس فيها من
الداي مصطفى باشا إعادة النظر في العلاقات الفرنسية الجزائرية ، و يعيد المساعدات
التي كانت تقدمها الجزائر لفرنسا ، و تعهد نابليون بالوقوف إلى جانبه دبلوماسيا
لمواجهة المتحالفين ضده في أوروبا ، و قد قبل داي الجزائر هذا العرض و عادت
العلاقات إلى طبيعتها .
لكن
سرعان ما توترت العلاقات الجزائرية الفرنسية من جديد ، بسبب عدم تقديم قنصل
نابليون ( ديبوا تانفيل ) ( Dubois
Thainville ) الهدية التي اعتاد القناصل تقديمها له ، و حين طلب الباشا
رسميا على أساس أنها شيء واجب ، رد عليه نافليون برسالة ساخطة هدد فيها بتحطيم
الأسطول الجزائري ، و أنذر بأن فرنسا على عهده ليست هي فرنسا على عهد البوربون ، و
كان نتيجة ذلك أن احتجزت الجزائر سفينتين فرنسيتين و ضربت أخرى في ميناء تونس من
أحد الجزائريين .
كما
أقدم الداي أحمد باشا على سحب الامتيازات
من فرنسا و منحها إلى منافستها بريطانيا عام 1806 إلى غاية 1816 أين أعادتها للمرة
الثانية لفرنسا ، و بعدها جاءت أزمة ديون الجزائر على فرنسا و ما ترتب عنها من
نزاع إلى احتلال .
يجدر
بالذكر أن عدد المعاهدات المنعقدة بين الجزائر و فرنسا كبير بلغ السبعين و هي
معاهدات سلم و تجارة تم التوقيع عليها في سنوات مختلفة ( 1534 ، 1619 ،1628 ، 1640
، 1661 ، 1662 ، 1666 ...الخ ) . أكثر هذه
المعاهدات تخدم مصالح فرنسا .كما تنوعت المساعدات التي قدمتها الجزائر لفرنسا بين
المساعدات العسكرية البحرية ، و المساعدات الدبلوماسية للثورة الفرنسية ، و
المساعدات الاقتصادية و المالية للثورة.
غير أن أطماع فرنسا التوسعية كانت تحول دوما دون استقرار علاقتها السياسية
مع الجزائر . و يرجع بعض المؤرخين النزاع الفرنسي الجزائري إلى عدة أسباب من أهمها
:
1-
تطلع فرنسا الى تحقيق مكاسب واسعة في الجزائر.
2-
اعتماد أسلوب القوة تجاه أي خلاف ينشب ما بين بحارتها و
بحارة الجزائر.
3-
شركة " لنش " المركز التجاري الفرنسي بساحل
القالة و عنابة .
أما
بقية الدول الأوروبية مثل البرتغال و السويد و هولندا فقد سارعت إلى إقامة علاقات
دبلوماسية مع الجزائر لتأمين سفنها التجارية العابرة للبحر المتوسط.
·
التحالف الغربي ضد الجزائر :
و
في أوائل القرن التاسع عشر بدأت الدول الأوروبية و كذا الولايات المتحدة الأمريكية
تكف عن دفع الإتاوات للجزائر ، كما أصبحت النوايا الاستعمارية الأوروبية تتجلى في
الأفق ضدها ، خاصة بعدما حققت تفوقا عسكريا واضحا على الجزائر بفضل دخول دول
أوروبا مرحلة الثورة الصناعية الحديثة و عدم مواكبة الصناعة الجزائرية لهذا التطور
، و بذلك اختل ميزان القوى لصالح أوروبا على حساب الجزائر .
حيث تحالف الأوروبيون
ضد الجزائر في مؤتمر فيينا الذي انعقد في 9 جوان من عام 1815 بطلب من الانجليز و
ذلك لوضع حد نهائي لأعمال القرصنة البحرية الجزائرية في البحر الأبيض المتوسط و
استرقاق المسيحيين ( استعبادهم ) ، و كلفت بريطانيا بتطبيق مقررات المؤتمر ، فتوجه
الانجليزي اللورد ايكسمون ( اكسماوث) عام 1816 على متن أسطول بحري إلى الجزائر و
لما اقترب من سواحلها وضع الداي القنصل البريطاني في السجن ، لكن البحرية
الجزائرية انخدعت بالراية البيضاء التي كانت تحملها السفن الحربية البريطانية
فتركتها تدخل للميناء الجزائري ، فقنبلت بالمدفعية الأسطول البحري الجزائري و
ألحقت به أضرارا جسيمة مما أجبر الداي عمر باشا على قبول شروط مؤتمر فيينا .
و من
بين هذه الشروط : تطبيق القرارات الصادرة عن مؤتمر فيينا و خاصة تلك التي تتعلق
بإلغاء الرق و اطلاق سراح الأسرى المسحيين الموقوفين في الجزائر ، و تسريح البحر
الأبيض المتوسط للتجارة الحرة و الاعتراف بأولوية انجلترا في التعامل مع القنصليات
الأجنبية في الجزائر .
الجدير بالذكر أن حملة اكس ماوث كان ظاهرها تنفيذ لإرادة الدول الأوروبية و
باطنها رغبة بريطانيا في فرض سيطرتها على البحار للاستحواذ على طرق المواصلات و
الحفاظ على مصالحها التجارية ، بعد أن فقدت مستعمراتها في القارة الأمريكية .
و
في يوم 30 سبتمبر 1818 عقد الأوروبيون للمرة الثانية مؤتمر ضد الجزائر عرف باسم
مؤتمر "ايكس لاشابيل " قرروا فيه مطالبة كل من الجزائر و تونس و ليبيا بوضع
حد للقرصنة و اعتبروا أي مساس بالبواخر التجارية لأحد من هذه الدول المتحالفة
سيؤدي إلى رد فعل سريع.
و
في 5 سبتمبر 1819 قدمت قطعة بحرية انجليزية فرنسية تحت قيادة الأميرالين "
فريمونتل " و " جوليان " إلى الجزائر ، ليبلغا الداي حسين بقرارات
المؤتمر ، لكنه رفض استقبالهما و جمع القناصل الأوروبيين و حملها إلى أوروبا رسائل
يقول فيها " الجزائر حرة في تسيير شؤونها كيف تشاء ، و هي ليست مستعدة لتطبيق
الأوامر التي تأتي من الخارج ." ثم أمر القناصل الأجانب بأن يقدموا الهدايا
المتأخرة ، و عندما رأى المشاركون في مؤتمر
"ايكس لاشابيل " تعنت الداي حسين قرر أن تنظم حملة عسكرية نشارك فيها
معظم الدول الأوروبية لتأديب الجزائر
بعدها دخلت الجزائر في مرحلة ضعف و انحطاط و خاصة بعد تحطيم أسطولها في
معركة نافارين يوم 20 أكتوبر 1827 ، ففقدت هي و الامبراطورية العثمانية قوتها و
هيبتها ، فتكالبت عليها الدول الأوروبية و كانت نهاية الوجود التركي في الجزائر
على يد فرنسا عام 1830 في عهد الداي حسين بعد ثلاثة قرون من وجودها.
ب-
الأوضاع العسكرية :
واجهت الجزائر و الدولة العثمانية تهديدات
خارجية كبيرة ، خاصة من جانب اسبانيا و الدول الايطالية و فرسان مالطة ، مما جعلها
( أي الجزائر ) تهتم بأسطولها الحربي تدفع به الغارات المسيحية عن مدتها و سواحلها
، و تحمي التجارة الاسلامية و المهاجرين الأندلسيين ، و حجاج بيت الله الحرام من
اعتداءات القراصنة الأوروبيين ، و تدعم به الدولة العثمانية في حروبها ، و تغنم من
خصومها . يجدر بالذكر أن الدوافع الروحية التي كانت وراء الجهاد البحري للأسطول
الجزائري ضعفن بالتدريج ، ليصبح الربح هو مبدأه الأساس.
و قد كانت النواة الأولى لأسطول الجزائر تلك
السفن التي أتى بها الأخويين خير الدين و عروج لإنجاد إخوانهم المسلمين في بجاية و
الجزائر ، و عددها أربعة عشر وحدة . تمركز الأسطول في مدينة الجزائر التي حصن
ميناؤها و دعم بالمدافع ، ليصبح قاعدة بحرية هامة في بناء المراكب الجديدة و اصلاح
القديمة و المعطوبة و تجهيزها. كما أصبحت موانئ المدن الساحلية الأخرى كشرشال و
دلس و بجاية و جيجل و عنابة و تنس قواعد أخرى للأسطول. و كان الخشب يجلب من غابات
شرشال و جرجرة و بجاية و جيجل و القل ، كما أنشئت مصانع لصناعة المدافع و البارود
و الذخيرة و قطع الغيار .
بلغ الأسطول الجزائر أوج قوته في منتصف القرن 17 مكنته من صد و افشال جل
الحملات العسكرية على الجزائر كالحملات الاسبانية و الفرنسية و الهولندية و غيرها
، كما كان الأسطول درعا واقيا للسواحل المغاربية ضد القرصنة و العدوان الأوروبي. و
قد تعاظم دور الأسطول الجزائري في حماية التجارة الدولية من القراصنة المتربصين
عبر البحر .
لكن دور البحرية و نشاط الأسطول الجزائري بدأ يتضاءل مع مطلع القرن 19 إلى
أن اضمحل نهائيا سنة 1830 ، و يعود انهيار الأسطول إلى العوامل التالية :
·
اتفاق الدول الأوروبية على ضرورة التصدي للجزائر و تقليص
دورها .
·
تقييد الجزائر بمعاهدات شراء سلامة تجارات الدول الأوروبية
مقابل بعض الهدايا و الغرامات ، مما قل من نشاطات الأسطول الجزائري فتقلص عدد قطعه
من حوالي 100 قطعة عام 1588 إلى 14 قطعة رئيسية سنة 1825 .
·
الغارات المسيحية المتكررة على مدينة الجزائر ، و من أخطرها
هجوم الأسطول الانجليزي الهولندي المؤلف من 39 بارجة بقيادة اللورد الأميرال
اكسموث في 27 أوت 1816 ، و تمكن من تخريب قسم من أسوار مدينة الجزائر و مبانيها و
مينائها ، و تدمير معظم أسطولها.
·
اشتراكه في حروب الدولة العثمانية ، و آخرها معركة نافارين
1827 أثناء حرب اليونان التي دمر فيها ما تبقى من الأسطول.
·
تخلف صناعة السفن الجزائرية و مهارة الأسطول قياسا إلى
التقدم الصناعي الهام الذي أحرزته مثيلاتها في دول الغرب ، و المهارة الفنية التي
اكتسبتها الأساطيل الأوروبية .
و على صعيد آخر ارتكبت الجزائر خطأ فادحا يتمثل
في تخليها عن الصناعة البحرية ( كانت تصنع بواخرها الحربية بنفسها ) نظرا لانشغال
التقنيين و المهندسين و الفنيين في الحرب ، و كذلك بسبب تنازلها عن غابات
الكرستا الموجودة ببجاية لفائدة التجار
اليهود و في مقدمتهم بكري و بوشناق، حيث أقدم هذين الرجلين على بيع أخشاب الغابات
إلى انجلترا التي اهتمت بصناعتها البحرية و كرست كل جهودها لتطويرها ، و عليه
فالجزائر توقفت عن الصناعة البحرية و بريطانيا ضاعفت المجهود .
ت-
الأوضاع الاقتصادية : ان عدم الامن و الاستقرار السياسي و انتشار حركات التمرد و
الاضطرابات كان له انعكاسات سلبية على المجال الاقتصادي ، حيث أهملت الفلاحة بتوقف
الحرث و الزرع ، و حدثت مجاعات من جراء كثرة الفتن و الأهوال و اهتزاز المجتمع .
كما أغلقت الأسواق خوفا من قطاع الطرق ، إضافة إلى ظاهرة الجفاف التي استمرت سنوات
خاصة بشرق البلاد و ارتفاع الأسعار و غلاء المعيشة.
يجدر بالذكر أن الاهتمام الكبير للعثمانيين
بالجوانب العسكرية و السياسية انعكس سلبا على الجانب الاقتصادي ، حيث لم يكن
للعثمانيين سياسة اقتصادية واضحة المعالم من شأنها أن تنهض بالبلاد ، و يتجلى ذلك
من خلال عدم اهتمام الحكام الأتراك بتطوير البنية التحتية للإيالة الجزائر ، فمثلا
بالرغم من اهتمام العثمانيين بالبحر لا نجد لدولة أثرا في انشاء الموانئ الصالحة
للتجارة ، حيث كان الاهتمام بالموانئ
الجزائرية بقصد ايجاد مرسى آمن لسفن القرصنة و ليس بقصد التجارة ، كما لم تتدخل
الدولة لتحسين وسائل الزراعة ، و لم تسهم في الوقاية من الأضرار الطبيعية ، أو
الآفات الزراعية التي كانت تتعرض لها البلاد بصورة مستمرة.
ث-
الأوضاع الاجتماعية : لم تكن الأوضاع على الصعيد الاجتماعي أحسن من غيرها ، حيث
عرفت الجزائر انتشار الأوبئة خاصة في الفترة التي بلغ فيها مرض الطاعون درجة خطيرة
و هي الفترة الممتدة من جوان 1817 إلى سبتمبر 1818 ، بالإضافة إلى و الزلازل التي ضربت
كثيرا من المدن الجزائرية ( مدينة الجزائر و المدية عام 1632 ، زلزال الجزائر
العاصمة 1665 ، شرشال ، بجاية و الجزائر العاصمة عام 1716 ، ثم زلازل 1723 و 1724
و 1755 و 1760 التي خربت البليدة ، و زلزال وهران عام 1790 ) فتسببت في الكثير من
الخسائر البشرية و المادية هلاك الكثير من
الأرواح و الممتلكات .
·
ظهور الطبقة الدخيلة من اليهود : بالرغم من وجود عدة فئات أجنبية مسيحية في
الجزائر ، إلا أن الجماعة النشيطة التي ارتفع شأنها في هذا البلد هي فئة اليهود ،
لأنها كانت تتعامل مع الداي و قادة الجيش ( الرياس) و يقومون بشراء و بيع البضائع
أو الغنائم التي يحصل عليها الرياس ، كما اشتهر اليهود بعمليات السميرة و القيام
بدور الوساطة في كل العمليات التجارية إلى درجة أنه أصبح من الصعب على أي عربي أن
يبيع دجاجتين بدون وساطة مأجورة من أحد اليهود .
و في بداية
القرن التاسع عشر تجلت في الجزائر نفوذ شخصين يهوديين و هما بوشناق و بوخريص (
بكري ) ، إذ كانا يقومان لوحدهما بدور البنوك في الجزائر ، و يحتكران الأسواق
التجارية الجزائرية و خاصة في ميدان تصدير الحبوب فامتد نفوذهما حتى في بلاط الحكم
، فأصبحت لهما قوة تأثير في القرارات السياسية و الاقتصادية و كانا سببا مباشرا في
احتلال فرنسا للجزائر عام 1830 ، و لسبب نفوذهم الكبير و سوء تصرفهما قام أحد
الجنود الأتراك عام 1805 بقتل اليهودي بوشناق و هو خارج من قصر الداي بالجنينة ،
أما صديقة بوخريص فقال بأمر من الديوان عام 1811 .
المراجع
المعتمدة في المحاضرة الثانية :
1-
عمار بوحوش ، التاريخ
السياسي للجزائر من البداية و لغاية 1962 ، ط 1 ، بيروت ، دار العرب الاسلامي
، 1997
2-
عمار عمورة ، موجز
في تاريخ الجزائر ، ط 1 ، الجزائر ، دار ريحانة ، 2002
3-
صالح فركوس ، المختصر في تاريخ الجزائر ( من عهد الفينقيين إلى خروج
الفرنسيين 814 ق.م – 1962 م ) ، (ب.ط) ، دار العلوم للنشر و التوزيع ، (
ب.س.ط)
4-
الكتاب المدرسي ، ج 1 ، السنة الثالثة ثانوي
5-
جمال الدين سهيل ، ملامح من شخصية تاريخ الجزائر خلال القرن 11 و 17 م
، مجلة الواحات للبحوث و الدراسات ، المركز الجامعي غرداية ، العدد 13 ، 2011
6-
محمد مقصودة ،
الكراغلة و السلطة في الجزائر خلال العهد العثماني ( 1519 -1830 ) ، مذكرة
لنيل شهادة الماجستير في التاريخ الحديث و المعاصر ، قسم التاريخ و الآثار ، كلية
العلوم الانسانية و الحضارة الاسلامية ، جامعة وهران ، 2014
7-
مولود قاسم نايت بلقاسم ، شخصية الجزائر الدولية و هيبتها العالمية قبل
1830 ، ط 2 ، الجزء الثاني ، الجزائر ، شركة دار الأمة ، 2007.
8-
محمد العربي
الزبيري ، محاضرات في مقياس تاريخ الجزائر من القرن 16 إلى يومنا هذا ،
ألقيت على طلبة السنة الثانية اعلام بجامعة الجزائر 03 ، السنة الجامعية
:2001-2002 .
9-
أبو القاسم سعد الله ، محاضرات في تاريخ الجزائر الحديث ( بداية
الاحتلال) ، ط 3 ، الجزائر ، الشركة الوطنية لنشر و التوزيع ، 1982
10-
بشير بلاح ، تاريخ الجزائر المعاصر ( 1830-1989 ) ، ج 1 ، الجزائر ،
دار المعرفة ، ( ب.س .ط )
هل من لمحة تاريخية عب الجامعات قبل الاحتلال الفرنسى و شكرا
ردحذفاهتممت بوضعية التعليم بصفة عامة قبل الاحتلال .
حذفأريد خطة بحث عن الأوضاالجزائر قبل الاستعمار
حذفلكان عندك ابعتيهالي
حذفهذه الظروف الداخلية للجزائر عشية الاحتلال الفرنسي
ردحذفبارك الله فيك دكتورة
ردحذفHaba اوضاع الجزائر الداخلية و علاقتها الخارجية في بداية القرن 19
ردحذفHaba اوضاع الجزائر الداخلية و علاقتها الخارجية في بداية القرن 19
ردحذفاريد خاتمة لبحت في هذا الموضوع
ردحذفChoukra
ردحذفأريد معرفة التاريخ السوسيو ثقافي للمدينة الجزائرية أثناء الحقبة العثمانية وكيف كانت تنظم شؤون المدينة من ناحية التخطيط والتهيئة العمرانية و من ناحية الموروث الثقافي المحلي وكيف كانت تتعامل مع أصحاب الحرف اليدوية والصناعات التقليدية مثلا وكيف كانت تستغل وتتملك الفضاءات ...
ردحذفث
ردحذفدكتورة ممكن مساعده حول خطة البحث عن أوضاع الجزائر قبيل الاحتلال الفرنسي من فضلك
ردحذفاختي لقيتي خطة البحث ؟
حذفممكن بحث جاهز بالتهميش حول الاوضاع السياسية و الاقتصادية في الجزائر خلال القرن 18 وشكرا
ردحذفwoow
ردحذف1+1=3
ردحذفأريد خطة البحث لهذا الموضوع
ردحذفMERCI
ردحذف👍👍
حذفشكرا على هذه المعلومات❤🌼🌼🌼🌼
ردحذفميرسي
ردحذفشكرا جزيلاً ☺️☺️☺️☺️
ردحذفشكرااااااا جزيلا الله يخليك لاهلك وناسك شكرا
ردحذف